Subscribe to Our Mailing List

Enter your email address to subscribe to our club and receive notifications of new posts by email.

Books & References on Facebook
Books & References on Google+
+
Amazing Book Covers
Follow Books & References

رحلة فى بلاد العربية السعيدة من مصر الى صنعاء

رحلة فى بلاد العربية السعيدة من مصر الى صنعاء

نزيه مؤيد العظم

رحلة نزيه مؤيد العظم إلى اليمن عام 1936 م

تيسير خلف – موقع صحيفة تشرين اون لاين 19-09-2010 م

تعد رحلة الوجيه والسياسي الوطني السوري نزيه مؤيد العظم إلى اليمن وثيقة رائعة عن هذا البلد العربي في ثلاثينيات القرن العشرين، فنزيه مؤيد العظم لم يترك كبيرة ولا صغيرة إلا ودوَّنها فيما يتعلق باليمن، ولذلك تعد رحلته هذه أهم مرجع عن العربية السعيدة في تلك الفترة لشمولها جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.

وقد بدأت علاقة نزيه مؤيد العظم باليمن في عام 1927 عندما زارها برفقة المستر شارلس كرين الثري الأمريكي عندما قدم إلى سورية بعد الحرب العالمية على رأس لجنة الاستفتاء التي أوفدها الحلفاء لدرس حالة البلاد العربية التي انفصلت عن الدولة العثمانية ولتقف على رغبات أهلها في تقرير مصيرهم والتي سميت لجنة كينغ كرين. وقد قابله العظم يؤمئذ في فندق دامسكوس بالاس بمدينة دمشق الشام. وبعد أن لجأ العظم إلى مصر بعد الثورة السورية الكبرى قابله بمصر فطلب المستر كرين من السيد نزيه العظم مرافقته في رحلة إلى الحجاز واليمن فقاما بالرحلة معاً ثم قام العظم لوحده بعدة رحلات إلى اليمن كان آخرها رحلته التي دوَّنها في كتاب بعنوان «رحلة إلى العربية السعيدة» وصدر في دمشق عام 1936.‏

مقتطفات من الرحلة‏ ‏

الأسواق مغلقة والإضراب والرصاص ثم مررت بسوق البقر وسوق الحطب وسوق البز أي الأقمشة وسوق القمح وسوق الزبيب والجوز وغيرها من الأسواق الكثيرة وكانت معظمها مقفلة ولم أشاهد فيها إلا بعض الناس، فحرت في أمرها وسألت رفيقي الجندي هل عندكم اليوم عيد؟ أم عندكم إضراب عام؟ فقال: لا يوجد عندنا عيد. ‏ ‏

قلت إذاً إضراب؟ فلم يفهم معنى الإضراب وعند ما أفهمته معنى الإضراب ضحك حتى كاد يغشى عليه من الضحك ويستلقي على قفاه وقال: نحن لسنا بحاجة إلى هذه الأمور ولو احتجنا إليها لا نستعملها، بل نستعمل هذا (البندق) وأشار إلى البندقية التي كان يحملها على كتفه. أكبرت في الجندي هذا الشعور الوطني وقلت في نفسي (أكل العصي ليس كالذي يحصيها) ثم سألته ثانية إذاً لماذا أغلق الناس حوانيتهم ومخازنهم! فأجاب: سامحك الله الوقت وقت الظهر والناس يأكلون القات. ‏ ‏

فقلت حسناً وعدت أدراجي نحو الدار وأنا أفكر بالقات وأكله وكنت أصادف بعض المارة في الطريق فأرى أفواههم وأحناكهم منهمكة في مضغ القات وأيديهم ملأى بغصونه فقلت لرفيقي الجندي ما شاء الله الناس (يخزنون) القات حتى في الطرقات، فأجاب، نعم يا سيدي إنهم يخزنون القات في كل مكان والقات ناه (أي جيد) خذ وكل، وأخرج من بين ثيابه رزمة من القات ابتاعها في الطريق وقدم لي بعض الأغصان. فشكرته وقلت بلطف لا أريد. ‏ ‏

فقال: الله يسامحك، الغني والفقير يأكل القات عندنا وينفق الفقراء أحياناً ريالاً أو ريالين ثمن القات، فقلت حسناً هنأكم الله بالقات وصرت أتعجب من نفسي وأفكر في أمر ذلك الفقير الذي ينفق ريالاً ثمن قاته كل يوم في حين يعيش رب العائلة مع أهل بيته في اليمن ولا ينفق في يومه نصف ريال لأن ثمن المأكولات والحاجيات رخيص جداً. ‏ ‏

فالبيض مثلاً العشرون منه بفرنك والدجاج الواحدة بفرنك ورطل اللحم بأربعة إلى خمسة فرنكات وعلى ذلك فقس! وأما القات فغال جداً بالنسبة إلى غيره من الحاجيات أولاً لشدة الطلب عليه وثانياً لأن الحكومة تعتبره من الكماليات وتتقاضى عليه رسوماً باهظة. ‏ ‏

ولا يوجد في صنعاء نفسها قات بل يجلب إليها من الضواحي مثل الروضة والوادي وعافش الخ. ومن الغريب أن إخواننا اليمانيين بمن فيهم المتعلمون والزاقون، ما خلا نفر قليل منهم يسلمون بضرر القات ويعلمون حق العلم الخسائر المادية والمعنوية التي تعود عليهم من استعماله ولكنهم يأنفون ويغضبون من سماع كلمة نقد فيه ويدافعون عنه بكل قواهم.‏ ‏

البرد في صنعاء‏ ‏

وصلت إلى الدار قبل الغروب وقد أخذ الهواء يبرد وابتدأت قائمة الحرارة (ترمو متر) تهبط هبوطاً سريعاً فشعرت بالبرد يتسرب إلى جسمي فلبست معطفي وجلست أطالع في بعض الكتب قصد التسلية وانتظاراً لوقت العشاء. وبعد العشاء شعرت بالبرد أكثر فصعدت لغرفة النوم واندسست في سريري هرباً من البرد إذ لا يوجد في منازل صنعاء وسائط للتدفئة ولم أشاهد (دفاية) واحدة وبعد التجربة العملية وجدت أن الفراش أفضل مكان للتدفئة ولاحظت أن برد اليمن كبرد بلودان لا يضر بالجسم كما يضر به برد مصر ودمشق وذلك لأن هواء اليمن كهواء بلودان ناشف جداً بخلاف هواء مصر والشام المشبع بالرطوبة.‏ ‏

قضيت ليلتي على أحسن حال ونمت نوماً هادئاً استيقظت خلاله مرة أو مرتين على صياح الحرس في مخافر السور وهم ينادون بعضهم بعضاً بأصوات غريبة عذبة وأنغام أعذب تجتذب الأسماع، وقبيل الفجر صحوت على صوت المؤذنين الذي كان يرن صداه في هدوء ليل صنعاء إليهم فيزيده حرمة ورهبة ويشعر بفرار جيوش الظلام ويبشر بقرب طلوع جحافل النهار باسم الواحد القهار. وقد لاحظت أن الأذان في صنعاء تختلف نغمته عن الأذان في مصر والشام وخصوصاً أذان (التذكير) المشهور في يومي الجمعة والاثنين فهو عندهم مختصر جداً ولا يرتلونه ترتيلاً كما يرتلونه في الشام ومصر.‏ ‏

الدلالون والعاديات‏ ‏

بعد تناول طعام الصباح أتاني أحد الجنود الذين بالباب وقال لي: يوجد كثير من الدلالين بالباب يريدون الدخول عليك قلت وما شأننا والدلالون؟ فقال: هذه عادتهم في صنعاء متى علموا بوصول غرباء فإنهم يجلبون لهم ما خف حمله من العاديات (الأنتيكات) ليعرضوها عليهم بقصد البيع والشراء فإذا أذنتم لهم بالدخول أدخلناهم وإن لم تأذنوا نصرفهم، فقلت لا بأس من دخولهم، فدخلوا فإذا بهم يحملون (مفارش) ـ أي سجاداً عجمياً ـ وأدوات نحاسية ودراهم فضية وذهبية قديمة و(فصوصاً) يمانية وهي أحجار غريبة الأشكال والألوان بعضها قديم وبعضها جديد يستعملونها في صياغة الخواتم، وأحجاراً حميرية منها ما هو منحوت بشكل أشخاص وتماثيل ومنها ما هو على شكل الحيوانات ومنها ما هو مكتوب كتابة غريبة، قيل لنا إنها حميرية ومسمارية.‏ ‏

فتأملنا في هذه الأشياء الغريبة ولم نشتر سوى بعض الفصوص لعدم معرفتنا بالأشياء الأخرى، وسألنا الدلالين عن السجاد القديم فقالوا لقد أخذه التجار الترك بأثمان بخسة ورووا لنا أن تاجراً ابتاع سجادة عجمية قديمة من آل السنيدار بمبلغ مائة جنيه إنكليزي وباعها بمصر بألف وخمس مئة جنيه مصري. ومما قالوه إن الجامع الكبير كان مفروشاً بالسجاد القديم فابتاعه الترك وفرشوا عوضاً عنه سجاداً جديداً. ‏ ‏

وأما النحاس فبعضه كان جميلاً جداً ومكتوباً عليه كتابة عربية وفيه رسوم سمك وأسماء بعض الملوك والأئمة المعاصرين له وتاريخ حكمهم وجله مصنوع من النحاس الأصفر وبعضه من النحاس الأحمر. والدلالون في صنعاء كغيرهم من الدلالين والباعة في أقطار الشرق يطلبون في الحاجة عشرة دنانير فيبيعونها بدينار واحد وهم كثيرون جداً لا يأتي غريب أو أجنبي إلى صنعاء إلا وينهالون عليه من كل فج عميق ويجلبون له كل شيء تصل إليه أيديهم من طبول وزمور وبنادق وسيوف وجنبيات ومسدسات وساعات ونقود وزجاج فارغ الخ… وبعد التجربة والدرس وجدنا أن معظم النقود والتماثيل التي كانوا يأتوننا بها والتي يدعون أنها قديمة من عهد حمير ليست إلا جديدة ومزيفة بصنعاء منذ عهد قريب جداً ويقوم بعملية التزييف رهط من الصناع اليهود ولكن معظم النحاس قديم جداً وخاصة النوع الذي يقولون له غساني.‏ ‏

معمل البرتقان‏ ‏

ويعمل في كل مطحنة منها فتاة أو امرأة وقد عصبن أنوفهن وأفواههن بعصابات من القماش (كقناع) ليمنعن دخول التنباك المسحوق إليها، ولكن لم تأت هذه العصابات أو الكمامات ـ ويا للأسف ـ بالفائدة المطلوبة، وقد رأيت في وجوه جميع هؤلاء البائسات وأعينهن اصفراراً يشبه اصفرار المصابين باليرقان وصحتهن متأخرة جداً فسألت إحداهن كم ساعة تعملن على المطحنة فأجابت من طلوع الشمس حتى الظهر وعند الظهر نتناول طعامنا ونستريح قليلاً ثم نعود إلى الرحى حتى مغيب الشمس، فقلت: وكم تتقاضين من الأجرة في اليوم؟ فأجابت: ربع ريال، أي نحو ثمانية قروش سورية، فقلت: هل تنزعجن من رائحة التنباك؟ فأجابت: في ابتداء ممارستنا لهذا العمل ننزعج كثيراً وأما بعد الممارسة فنألفه ولا نعود نشعر برائحته إلا قليلاً. ‏ ‏

وفي أثناء هذا الحديث مع الفتاة الذي لم يستغرق غير بضع دقائق كدت أختنق من رائحة التنباك فأسرعت بالخروج من المعمل إلى باحة الدار وإذا بصاحب المعمل قد أتى فسألته هل تضعون مع التنباك شيئاً قبل أن يصبح نشوقاً أو عطوساً؟ فقال نعم إننا نضع معه نوعاً من التراب يقال له (دقدقة)، فقلت: ومن أين تجلبون التنباك؟ فقال: يجلبه لنا التجار الكبار من عدن، ومن السويس ونبتاعه نحن منهم بحسب حاجتنا إليه. ‏ ‏

فقلت هل تصنعون كميات كبيرة؟ فأجاب: نعم إننا نصنع كميات لا يستهان بها لأن البرتقان شائع الاستعمال كثيراً بين جميع طبقات الشعب وخاصة بين رجال القبائل البدوية، وهم الكثرة في البلاد. وقد لاحظت بنفسي في أثناء روحاتي وغدواتي هنا وهناك صحة هذا القول ورأيت الناس يقدمون البرتقان بعضهم لبعض كما نقدم نحن السيكارات وهم يضعونه في علب خاصة جميلة يحملونها في أحزمتهم والأحزمة كثيرة الشيوع بين اليمانيين ويندر أن تشاهد رجلاً يمانياً من دون حزام وهذا الحزام هو حبيب بل (خرج) يضع فيه المرء جميع ما يحتاج إليه من الأدوات من مقص وموس وخنجر وسيكارات وعلبة برتقان وقلم ودواة وقرطاس ومسلة وخيوط ودراهم الخ الخ. والبرتقان كالقات مضر بالصحة كثيراً لأنه يقلل من شهية الإنسان للطعام ويؤثر في الأعصاب فيخدرها ويضعفها ويغير لون الأسنان ويصبغها بصبغة سوداء لا تزول عنها رغم غسلها بالماء والسواك وقلما يرى السائح رجلاً في اليمن سليم الأسنان ونظيفها وذلك لكثرة استعمال القات والبرتقان.‏ ‏

دكاكين الصياغ‏ ‏

سرت من معمل البرتقان بعد أن ودعت صاحبه وشكرته على المعلومات التي أدلى بها إلي، ومررت بدكاكين الصياغ فدخلت أحد تلك الدكاكين فرأيت صاحبها جالساً في الصدر وحوله ثلاثة أو أربعة عمال كبار وصغار وإلى جانبه خزانة حديدية قديمة فقلت له بلغة اليمن: مرحباً فتمتم بعض الكلمات التي لم أفهمها ثم قدم لي صندوقاً خشبياً قديماً وقال: هيا تفضل وقنبر (أي اجلس) فقنبرت على صندوق الكاز وقلت له هب لي ـ أي أعطني ـ بعض الأساور والخواتم والحلق من صنعكم فلم يفهم مني شيئاً وأخذنا نتكلم بالإشارة ولغة الخرسان وبينت له إنني أريد الحلي التي تلبسها النساء بالمعصم والأصابع والآذان فقال تعني بلاذك (أي أساور) ومداور (أي خواتم) فقلت نعم لا فض فوك هذا الذي أعنيه.‏ ‏

فقال حسناً فهمت طلبك ولكن أتريد من الدقة (أي النقشة) التركية الحديثة أم من الدقة القديمة الخاصة بالقبائل! فقلت أرني جميع ما عندك، ففتح درجاً بالصندوق الحديدي وأخرج منه كيساً مملوءاً أشكالاً وأنواعاً مختلفة من المصاغات، والحق يقال إن بعضها جميل جداً وعليها نقوش لم أشاهد مثلها في الشام ومصر وجميعها مصنوعة من الفضة وبعضها مطلية بماء الذهب.‏ ‏

ورأيت العمال إلى جانبي يصبون بعض الحلي صباً بقوالب خاصة ويشتغلون بعضها شغلاً باليد ويحفرونها أشكالاً غريبة، ورغم ضخامتها فإن عليها مسحة من الجمال قلما يراها الإنسان في المصاغات الحديثة في البلاد المتمدنة، فسألت عن أثمان بعضها فقال لي بالوزن.. فقلت زن لي هذه البلاذك وتلك المداور فوزنها وقال لي ثمنها كذا فقلت حسناً ونفحته الثمن وهو يزيد شيئاً يسيراً عن قيمة الفضة، وهذه الزيادة اليسيرة لا تساوي في الحقيقة أجرة العمل ولكن بارك الله في العربية السعيدة فكل شيء فيها جميل ولطيف ورخيص وما أخطأ الذين سموها سعيدة في هذه التسمية. ‏ ‏

والحلي التركية أدق صنعاً من الحلي اليمانية وأخف منها. وأما الحلي القبائلية فثقيلة الوزن كبيرة الحجم وكثيرة السلاسل والتعاليق والدبابيس وما أشبه ذلك وتلبس نساء اليمن حلياً كثيرة ويفاخرن باقتنائها وعندهن حلي لمعظم أعضاء الجسد بما فيها الأذن وبين العينين والأذنين والساعدين والمعصم والأرجل الخ… ولها أسماء خاصة تختلف كل الاختلاف عن أسمائها عندنا.‏ ‏

الحمامات‏ ‏

خرجت من دكان الصائغ وعدت إلى دارنا قاطعاً حي بئر العزب من الغرب إلى الشرق فشاهدت في أوله من جهة قاع اليهود جامع حنظل وله مئذنة (منارة) جميلة مبنية من الحجر والآجر. ومررت بطريقي ببعض الحمامات وهي كثيرة في صنعاء لأنه لا توجد في المنازل حمامات خاصة وربما بلغ عدد الحمامات في صنعاء أكثر من العشرين وهي مبنية على الطراز القديم المعروف عندنا في الشام، ويقوم بإدارتها مدير (معلم) وبعض العمال ولهم طرق خاصة في التدليك والتفريك وتمسيد الأعضاء والعضلات.‏ ‏

‏‏

 

Leave a Reply